mardi 18 juin 2013

ألمثقف المعارض بين الانتهازية و التطرف.



قرأت ذات مرة عن احد أعيان و وجهاء بريطانيا العظمى و أظنه كان من اللوردات, انه كان ينصح أصحاب المال بالقول "إذا رأيتم الدماء تسيل في الشوارع, فعليكم بالاستثمار في العقارات".
هذه النظرة الانتهازية للمآسي الإنسانية و التي خير من جسدها الحملات الاستعمارية للمنطقة العربية خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر للميلاد, نراها تعود اليوم  و بقوة على و قع الحركات الاحتجاجية الجماهيرية على امتداد الجغرافيا العربية.
و الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن تجيييش المشاعر القائم على العواطف الدينية و المذهبية, إذا ما انفلت لن ينفع معه نصح يعتمد العقل و المنطق, ليصبح جسم المجتمع عرضة للاختراق بكل أشكال الفيروسات المميتة, لأن هذا النوع من الشحن العاطفي من ميزاته استدعاء التاريخ الصحيح منه و المغلوط و استحضار الخيال الشعبي الخرافي الذي يدفع البعض إلى نعت الآخر "بالأنجاس" و "بالكفرة الفجرة" في مشهد لا علاقة له بواقع اليوم إن على المستوى السياسي أو العقائدي أو الفكري, حتى و إن كانت المجتمعات تغلب عليها مظاهر الأمية و الفاقة.
و الغريب في هذا المشهد المأساوي بكل المقاييس, هو انخراط نخب المجتمع بتشكيلاتها السياسية و الدينية و الفكرية و الإبداعية إلا ما ندر, في هذا المسار ألتدميري للوعي العام و الذي حول مسار الحركات الاحتجاجية الشعبية من المطالبة بالتحرر من كل أشكال الدكتاتوريات و الوصاية على العقول و الأفكار و الضمائر, إلى ما يشبه التعبئة العامة ضد عدو من نسج الخيال, كان يحمل بالأمس القريب اسم الشيوعية و اليوم يحمل اسم التشيع.
ففي الوقت الذي تستعد فيه شعوب للولوج إلى عصر ما بعد الحداثة, وتتكتل فيه أمم من الصين إلى روسيا و البرازيل و الهند و ليس انتهاء بجمهورية جنوب إفريقيا و هي التي لا يجمعها أي رابط عرقي أو ديني أو لغوي أو جغرافي و إنما فقط وعيها بمصالح شعوبها الآنية و المستقبلية, نرى و نعايش أن أول نتائج ثورات الربيع العربي, هي الفرقة الدينية و المذهبية و العرقية و الفكرية و إحياء القبليات, في مشهد يعكس بصدق ليس فقط ضعف بنيتنا الحضارية الجامعة و التي ندعي في خطاباتنا أنها ضاربة في عمق التاريخ, بل ايظا فشلنا الذر يع في استيعاب واقعنا المعاصر و التكيف معه وفقا للمنهجية التي تقتضي تحرر الإنسان المواطن من كل أشكال الوصاية على العقل و الفكر و الإبداع و الضمير فضلا عن استعباد البشر و اعتبارهم مجرد مبرر للحكم بصفتهم آلات انتخابية لا عقل لها و لا وعي.
فإسرائيل تلك الجزيرة الصغيرة ذات التركيبة البشرية بكل ألوان الطيف, داخل ذلك المحيط العربي "المتجانس" و المعادي لإسرائيل؟ أو هكذا يراد له أن بكون؟ هي و حدها التي يحق لها أن تكون دولة بوليسية بامتياز بمنطق الوصاية العربي, و لكنها اختارت النهج الآخر, و لهذا السبب تراها تتحدى هذا المحيط و انتصرت على جميع جيرانها و مزقتهم شر ممزق.
و عليه يحق لنا أن نتساءل, ما الذي يدفع هذه النخب إلى الانخراط في هذا المسار العبثي؟ هل هي الرغبة الجامحة في السلطة و النفوذ؟ ام هي المزايا المادية؟ أم هي الشهرة و المال؟ ثم هل تملك هذه "النخب" من الوعي و المسؤولية و التجرد ما يؤهلها لقيادة قاطرة المجتمع نحو التحرر الفعلي من الدكتاتورية و كل أشكال الوصاية على الشعوب؟؟ أسئلة لا يمكن أن تجيب عنها سوى الشعوب التي خرجت عارية الصدور تتحدى الموت و الجبروت.

vendredi 7 juin 2013

حوار بين الجزيرة و المحيط




يسألني احدهم,لماذا يستمر مسلسل الدمار في العراق بالرغم من إسقاط ما يسمونه الطاغية منذ مايزيد عن العشر سنوات, وتبنيهم الخيار الديمقراطي كما كانوا يحلمون؟
و يسألنيايظا, لماذا تستمر المجازر اليومية في سورية لأكثر من  سنتين كاملتين, ليفوق عدد ضحاها ما فقده العربمجتمعين في كل حرو بهم مع إسرائيل , اوليس للعالم ضمير ؟
قلت لصديقناالسائل, سؤالك بقدر ما هو مشروع و منطقي أراه ايظا كبير جدا و عميق جدا, و الإجابةعنه تحتاج إلى عقل كبير جدا و عميق جدا, بحيث لا يمكن أن يستوعبها و يفك طلاسمهاعقل فرد واحد مهما أوتي من العلم و الحكمة و البصيرة, إلا أن يكون رسولا يتلقى وحيالسماء.
فالجغرافياالتي نعيش فيها و الممتدة من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي-الفارسي شرقا,هي مهبط كل الرسالات السماوية  و بالتاليعلاقة هذه الشعوب بوحي السماء علاقة وجدانية متأصلة, بحيث لا يمكنك أن تتخيلمجتمعا من هذه المجتمعات بمعزل عن الدين و التدين.
للدين في هذهالأرض مصداقية و رصيد كبيرين جدا و خطيرين جدا, لدرجة أن الجريمة قد تبرر إذا ما ألبستلبوس الدين.
إن العقل الذييبرر الجريمة و هي تلبس لبوس الدين, هو نفسه العقل الذي يدعو إلى الدين و يبشربفضائله القائمة على التسامح و العدل و المساواة و الحرية و حرمة النفس البشرية والخلق الإنساني الرفيع, في مشهد متناقض يعكس بوضوح اختلال المنهج في الوعي والإدراك و في التعبير و الممارسة للقناعة الإيمانية.
كثيرون همالمؤمنون الذين يعتقدون بأن الشرائع السماوية أنزلت منسجمة مع الضر وف و الحقائقالموضوعية المحيطة بالإنسان في الزمان و المكان لترتقي به من حال إلى حال أخرىجديدة , و هو استنتاج مقبول عقلا و منطقا.
لكن و معانتهاء وحي السماء, نجد أن المتأخرين من المسلمين اليوم لا يؤمنون بالإنسان وبقدرة الإنسان و قد اكتمل بناؤه العقائدي و تبين له الرشد من الغي , على الانتقالو الارتقاء من مرحلة إلى مرحلة أخرى جديدة لا علاقة لها بسابقتها شكلا و مضمونا.
فإذا حدثتهمعن الديمقراطية الحديثة كأسلوب حكم يرتكز على قبول الآخر و على حياد الدولة فيالمعترك السياسي, يواجهونك بالشورى , وهي التي لا تعترف أصلا بالآخر و لا بحيادالدولة في الشأن السياسي , و كأن الشورى كمفهوم عندهم يمكنها أن ترتقي و تتطورلتعطينا ما يشبه الديمقراطية في الأخير , كمن يعتقد أن مشكاة الإنارة أو الشمعةيمكن أن ترتقي و تتطور لتصبح مصباحا كهربائيا.
فالديمقراطيةكمنظومة حكم لا يمكن فقهها و استيعابها في مجتمع ما زال يؤمن بالمفعول السحريللدين في حياة الفرد و المجتمع, ويعتقد بناءا على منظومة فكرية مرتبطة بإيمانهالديني, أن الإنسان المستكشف لأسرار الخلق و الكون هو إنسان يتحدى الخالق, فياستنتاج مغلوط و مشوه يعتبر الشريعة غاية في حد ذاتها, بينما الحقيقة هي أن مقاصدالشريعة هي الغاية كما عرفها الأولون في :
حفظ الدين –حفظ النفس – حفظ العقل – حفظ النسل –حفظ المال –
حيث يعتقدالكثيرون و أنا منهم, أن المقصود بحفظ الدين أولا و آخرا هو تنزيه الخالق عن كل مالا يليق بذاته العلية باعتبارها مطلق الكمال و الجلال.
هذا المنهج فيفهم الدين عند الأولين لا نجده اليوم عند المتأخرين, مما فتح الباب على مصراعيهللمتفيهقين من التكفيريين و شذاذ الآفاق الذين أخذوا مجتمعاتنا رهائن بين أياد لاتخشى الله و لا ترحمنا.

الوعي الحضاري، أدوات و مفردات




كثيرة هي التحديات التي تواجه شعوب المنطقة العربية من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط ، ليس اقلها التخلف المزمن الذي تعانيه هذه الشعوب منذ امد بعيد .
فإذا كان التخلف يعني من بين ما يعني عدم القدرة على استيعاب الواقع و التكيف معه من منطلق ما تملك من موروث ديني و ثقافي و حضاري ،فان اللائمة لا تقع على الشعوب بقدر ما تقع على نخب المجتمع بمختلف تشكيلاتها السياسية و الفكرية و الإبداعية و حتى المالية ،ذلك لان المجتمعات البسيطة كالمجتمع البدوي الذي تحكمه قواعد القبيلة و العشيرة و العائلة قد لا يحتاج إلى نخب تؤطر المجتمع لترافقه في حركته مع التطور ضمن مسار التاريخ ، إذ يكفي هذا النوع من المجتمعات شخصية قيادية واحدة كشيخ القبيلة مثلا يحتكم إليها عند الأزمات،ولكن المجتمعات الحضارية المعقدة و المركبة لا يمكن ان تساير حركة التاريخ و تتحصن و تستقر ما لم تلعب نخب المجتمع دورها في إنتاج و نشر المعرفة و في تأطير المجتمع.
انطلاقا من هذا المنظور و استنادنا على إيماننا الراسخ بأننا ننتمي إلى أمة من خيرة الأمم إن لم تكن أخيرهم على الإطلاق بفضل إسهاماتها المصيرية على مر الأزمنة و العصور في بناء إنسانية الإنسان ، و حيث أن الفعل الحضاري يقوم على ثنائية الدفاع عن القيم و الدفاع عن المصالح ، يصبح من الواضح و الجلي لكل ذي عقل و بصيرة، إن حركة التغيير الثوري يجب أن تتركز حول هدف واحد ،هو إعادة إحياء القيم التي بها و من اجلها كنا خير امة أخرجت للناس.
إن الأمر بالمعروف كقيمة إنسانية جامعة تستحسن ذلك السلوك الإنساني الرفيع الذي يدعو إلى مساعدة الضعيف و كذا النهي عن المنكر القيمة الانسانبة الأخرى التي تستنكر الجهالة و الهمجية بكل أشكالها و تحت أي مسمى  كان ، و الإيمان بالله المنزه عن كل مالا يليق بجلاله و عظيم سلطانه ، كانت و ستبقى هي الثالوث الذي يميز و يمكن لهذه الأمة في الأرض بالرغم من العمل الممنهج و الدؤوب على تشويه و تزييف هذه الحقيقة القرءانية الخالدة من أولئك الذين يستعملون و يستغلون عناوين الآخرة يبتغون بها عرض الحياة الدنيا من سلطة و مال و نفوذ و شهرة زائفة.
أن الطاغوت الحقيقي و الفعلي الذي يواجه الأمة اليوم بعد خروجها منتفضة من وضعها البائس ، هو طاغوت الإعلام الذي يزيف الوعي كما الحقائق و يشوه الصور و يدعو إلى الفتنة و الجهالة و يتعامل مع الشعوب و يخاطبها كما لو كانت كومة عواطف لا عقل لها ولا تفكير ، فتراه يرتقي بالمرتزقة و المجرمين المختبئين في طورا بورا و أدغال إفريقيا و صحاريها إلى مصاف المجاهدين و يدوس على العلماء العاملين في مساجدهم و يحلل دماءهم باسم الطائفية و المذهبية السياسية ، في مشهد لا يختلف عن ما عرفته الأمة أيام اليزيد منذ أكثر من 1400 عام ، فهل هذه المرة سننجح و ننهي الكابوس؟؟              

ثنائية الديمقراطية و فوضى الإرهاب في المنطقة العربية



غريبة هي الثورات التي يتغنى بها العرب منذ هروب "الزين" من تونسإلى ارض الحرمين الشريفين.
فالثورة الشعبية  كفعل و كمفهوم والتي تعني من بين ما تعني انقلاب الشعب على منظومة حكم سياسي و اقتصادي و اجتماعيو ثقافي ، لأنها لم تعد صالحة لحكم المجتمع لأسباب موضوعية لها علاقة بمتغيراتالزمان و ظروف المكان و هي سنة من سنن الله في خلقه، كان من المفروض أن تتفاعلمعها نخب المجتمع بكل أطيافه لمرافقة الإرادة الشعبية و الوصول بها إلى أهدافهاالنبيلة.
و لكن الذي حصل على ارض الواقع ،كان بعيدا جدا عن طموحات الجماهير الشعبيةالتي انتفضت و هي تختزن بداخلها رغبة جامحة في الانتقال بوضعها البائس من نظاميعتبر الشعوب حجة و مبررا للحكم و التسلط إلى نظام يعتبر الشعوب شريكا فاعلا و حراو مسؤولا في تسيير الشأن العام .
 ذلك لان القوى السياسية التي كانتتمارس المعارضة في السر و العلن و بدلا من الاستثمار في تأطير المجتمع للارتقاء بهمن مستوى الادلجة إلى مستوى الوعي عبر فتح فضاءات واسعة للنقاش و الحوار تؤطرهانخب المجتمع المشهود لها برقي الفكر و نزاهته ،راحت تستثمر في حملات انتخابيةمتسرعة و كأنها تخشى ضياع الفرصة ،لتحول بذلك الحراك الشعبي من مسار الثورةالحقيقية إلى صراع دام و محموم على السلطة .
  - كيف لنا أن لا نتساءل و لانستغرب و نحن نشاهد و نتابع يوميا، في مجتمعات كمجتمعاتنا العربية حيث نسبة الأميةتقارب 40% و نسبة من يعيشون تحت خط الفقر تقارب 50% ، تلك الظاهرة المتمثلة في تفشي القنوات التلفزيونية الفضائيةالعامة منها و الموضوعاتية و هي تدعو الناس إلى الاستهلاك و تخاطبهم بلغة فيها منالعنف و التحريض المذهبي و الديني و الطائفي و العنصري ما لا تستطيع معه دول كبرىالتحكم في ردات الفعل المدمرة للعامة من الناس؟
  - كيف نقراو كيف نفهم و قفة الفاتحين الجدد من أمثال ساركوزي و كامرون و اردوغان في ساحة بنغازي و هم يهنئون الشعب الليبي باستعادة حريته من سلطة احتلال القذافي و يشكرونه لأنثورته لم ترفع ولا شعار يعادي إسرائيل؟
  - كيف نفهمو كيف نقرا و كيف لنا أن لا نشك في نوايا أولئك الذين من وراء البحار و باسمالحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان استبدلوا صيحة وا معتصماه بصيحة جديدةو غريبة اسمها وا امريكاه؟
هذه الأسئلة و غيرها من غير المعقول و من غير المقبولأن لا تطرح على ضمائرنا و على وعينا في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ المنطقة و هيتواجه أصعب و اعقد التحديات    و المتمثلة  في تحرر الشعوب من سيطرة الإيديولوجيات و سطوةالفضائيات إلى الوعي الحر و مسؤولية المجتمعات .