إذا كانت الثورة كمفهوم تعني الانقلاب على وضع قائم لم
يعد بإمكانه تحقيق مصالح المجتمع و سيرورته الطبيعية ضمن سياق التاريخ و الجغرافيا
، فإن ما تشهده الساحة العربية من حراك شعبي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوصف
(بالحراك الثوري) ، ذلك لان الثورة في جوهرها تروم أولا و أخيرا تغيير الأفكار و الذهنيات
التي على أساسها ينبثق المجتمع الجديد مع كل ما تحمل كلمة جديد معاني القطيعة مع
الماضي فكرا و اداءا .
إن الثقافة التي حكمت شعوب المنطقة منذ الفتح الإسلامي و
التي اعتمدت العرف و الشريعة بداية ثم الماكيافلية في أبشع صورها لاحقا ، هي نفسها
التي تتحرك في إطارها الشعوب اليوم مع فارق مهم وهو سيطرة ظاهرة اللصوصية و الإجرام
في الأوساط النخبوية الطامعة في السلطة ،ليتحول الحراك الشعبي العفوي إلى حركة
عبثية مدمرة للبلاد و العباد و مرتهنة لمستقبل الأجيال اللاحقة ،
إن الأمة التي شرعتها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
، تخلت عن قيمها المؤسسة و اكتفت بالمكاسب في صراعها الدموي للظفر بكرسي الحكم
الذي في النهاية لا يمثل سوى سلطة تقسيم الريع على الرعية كل حسب درجة ولائه
للسلطان.
كيف لا يحق للعالم المتحضر و الحال هذه أن يصفنا بأشباه
البشر و يستكثر علينا سايكس بيكو بل و يعدنا بالمزيد من التشرذم و الخزي و العار.